تحول اليورانيوم الذي يملأ أعماق أراضي النيجر من مصدر دخل للبلاد، إلى مطمع تتصارع دول العالم للحصول عليه، باعتباره الوقود الرئيسي للمفاعلات النووية، وهي أحد أهم وسائل توليد الكهرباء منخفضة الكربون.

وتحتل دولة النيجر المركز السابع ضمن أكبر منتجي اليورانيوم في العالم، كما أنها تستحوذ على خمسة في المئة من إجمالي احتياطيات اليورانيوم العالمية، بحسب بيانات الجمعية النووية الدولية.

وفي عام 2022، بلغ إنتاج النيجر السنوي من اليورانيوم نحو 2020 طن، ما يدفع إجمالي إنتاج البلاد التراكمي إلى 155 ألف طن، منذ إنشاء أول منجم في النيجر عام 1971 حتى نهاية 2022.

إنتاج النيجر من اليورانيوم

لماذا تتصارع الدول على اليورانيوم؟

لم تظهر إمكانية استخدام اليورانيوم مصدراً للطاقة حتى منتصف القرن العشرين، والآن أصبح يستخدم لتشغيل المفاعلات النووية التجارية التي تنتج الكهرباء وإنتاج النظائر المستخدمة للأغراض الطبية والصناعية والدفاعية في جميع أنحاء العالم.

ومع انتعاش الطاقة النووية منذ انزلاق العالم إلى أزمة طاقة بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، أصبحت إمدادات اليورانيوم أمراً حيوياً بالنسبة للعديد من الدول التي واجهت صعوبة في مواكبة الزيادة في الطلب على الطاقة.

كما تتطلع شركات التكنولوجيا العالمية إلى التفوق على بعضها بعضاً بالإعلانات المتعلقة بالطاقة النووية، والتي تأمل أن تعمل على توليد الكهرباء اللازمة لتوليد مراكز البيانات الضخمة لتطوير الذكاء الاصطناعي.

وعلى الرغم من أن شركات المرافق العامة تحتفظ بمخزونات كبيرة من اليورانيوم لتشغيل مفاعلاتها النووية، فإنها على استعداد لتأمين الوقود النووي بأي ثمن تقريباً، وهي عوامل أسهمت معاً في تصعيد الصراع العالمي للحصول على إمدادات اليوانيوم اللازمة لتلبية احتياجات الطاقة.

كيف تأثر إنتاج اليورانيوم بانقلاب يوليو 2023؟

لعقود طويلة، تفردت فرنسا بيورانيوم النيجر، فهي من اكتشفت وجوده بالبلاد لأول مرة عام 1957، وكانت «أورانو» الشركة الفرنسية هي المسؤولة عن تشغيل المناجم الثلاثة الرئيسية لاستخراج اليورانيوم بالنيجر.

واعتمدت فرنسا على النيجر في ما يقرب من 20 في المئة من اليورانيوم الذي استوردته لتشغيل منشآتها للطاقة النووية على مدى العقد الماضي، وفقاً لتقرير صدر في يونيو حزيران 2024 عن معهد دراسات الحرب.

وقالت الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية إنه عام 2022 قامت النيجر بتسليم نحو 25.4 في المئة من إمدادات الاتحاد الأوروبي، بينما كانت كازاخستان أكبر مورد للكتلة، وجاءت كندا في المركز الثالث.

لكن بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم في يوليو تموز عام 2023، حاولت قيادات الانقلاب التخلص من الهيمنة الفرنسية على إنتاج اليورانيوم في النيجر، من خلال عدد من الإجراءات أسهمت في إعادة تشكيل المشهد.

بدأت النيجر بوقف تصدير اليورانيوم إلى فرنسا والاتحاد الأوروبي، كما ألغت تصريح التشغيل الممنوح لشركة التعدين الفرنسية المملوكة للدولة «أورانو» لإنشاء منجم لليورانيوم في شمال النيجر، فضلاً عن سحب ترخيص استغلال منجم ماداويلا من قبل شركة «GoviEX» الكندية.

أدت هذه القيود إلى تعطيل إنتاج اليوانيوم بجميع المناجم الموجودة بالنيجر باستثناء منجم واحد وهو «سومير»، ليصبح هو المُعدن الوحيد لليورانيوم بالبلاد، ما أثقل على إيرادات النيجر التي تعاني بالفعل من الفقر والجوع، باعتبارها سابع أفقر دول العالم وفقاً لتقدير صندوق النقد الدولي لعام 2023.

ورغم ارتفاع أسعار اليورانيوم العالمية في أعقاب الانقلاب المطرد، فإنها انخفضت إلى 81 دولاراً للرطل في أغسطس آب 2024، وهو أدنى مستوى في تسعة أشهر، وواصلت النيجر تكبد خسائر قوية في إيرادات اليورانيوم.

صراع دولي بقيادة تركيا

تمتلك النيجر خامات اليورانيوم الأعلى جودة في قارة إفريقيا، وهو سبب رئيسي يجذب دول العالم التي تسعى إلى إيجاد مصادر بديلة للوقود الأحفوري، والتوجه نحو تكثيف إنتاج الكهرباء من المفاعلات النووية.

ومع غياب فرنسا التدريجي عن سوق اليورانيوم بالنيجر بسبب قيود التصدير التي دعمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدأت تبرز دول أخرى في دائرة المنافسة، تسعى للاستفادة من هذه الثروة، وعلى رأسها تركيا التي تستهدف إنشاء أول محطة للطاقة النووية خاصة بها.

وفي 22 أكتوبر تشرين الأول 20244، وقّعت تركيا والنيجر مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال التعدين، أثناء زيارة زير التعدين النيجري، أبارشي عثما إلى إسطنبول، ما يؤكد العلاقات التركية النيجرية الوثيقة في خضم تدافع القوى الجديدة للوصول إلى موارد اليورانيوم في الدولة الواقعة في غرب إفريقيا.

وقال وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار في منشور على منصة «إكس»، «أعتقد أنه من خلال الاتفاقيات التي وقعنا عليها، سيتطور تعاوننا المستمر في مجال التعدين إلى مستويات أعلى، وآمل أن تكون هذه الاتفاقية، التي ستدعم التنمية في كلا البلدين، مفيدة لبلدينا».

وبموجب الاتفاقيات الجديدة، وافقت الحكومة النيجرية على دعم الشركات التركية في قطاع التعدين بالنيجر بما يشمل تعدين اليورانيوم، وهي خطوة تعزز مكانة تركيا في المنافسة مع فرنسا والاتحاد الأوروبي وكندا على موارد اليورانيوم بالنيجر.

في غضون ذلك، تسعى روسيا أيضاً للاستفادة من تحول بعض الدول الإفريقية بعيداً عن السيطرة الأوروبية، وتستهدف إقامة علاقات للحصول على بعض أصول اليورانيوم وبخاصة في دولة النيجر المنقلبة حديثاً.