اختتمت مؤشرات البورصة الأميركية الربع الأول من عام 2024 على أكبر مكاسب فصلية لها منذ 4 سنوات، إذ صعد مؤشر ستاندرد أند بورز 500 بأكثر من 10 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، فيما يُعد أقوى مكاسب فصلية له منذ عام 2019.

واللافت هذا العام هو تفوق قطاع الطاقة على القطاع التكنولوجي في الربع المنتهي 31 مارس آذار، إذ ارتفعت أسهم الطاقة بنسبة 12.7 في المئة مقابل 12.5 في المئة لأسهم التكنولوجيا، ليحل قطاع الطاقة في المرتبة الثانية على قائمة أفضل القطاعات أداءً بعد قطاع الاتصالات.

ويرى المحللون أن أداء القطاعات خلال الربع الأول يعطي مؤشرات مبكرة على سعي المستثمرين للبحث عن فرص بديلة خارج قطاع التكنولوجيا الذي طالما هيمن على ارتفاعات الأسواق، خاصة أن شركات التكنولوجيا السبع الكبرى شهدت أداءً متفاوتاً منذ بداية العام لتشكّل 40 في المئة فقط من مكاسب ستاندرد أند بورز 500 في الربع الأول مقابل أكثر من 60 في المئة في الفترة ذاتها العام الماضي.

ففي حين قفزت أسهم إنفيديا وميتا بـ82 في المئة و37 في المئة على الترتيب، تراجعت أسهم أبل بنحو 11 في المئة وسط مخاوف بشأن مبيعاتها في الصين، كما هوت أسهم تسلا بـ29 في المئة نتيجة القلق من تباطؤ الطلب على السيارات الكهربائية.

ارتفاع أسعار النفط

على الجانب الآخر، لقيت أسهم الطاقة دعماً من الارتفاع المتواصل لأسعار النفط منذ بداية العام، إذ اختتم الخام الأسود الربع الأول على ارتفاع بـ13.6 في المئة بعد تراجعه بنحو 10.3 في المئة في عام 2023، وفقاً لبيانات ريفينيتيف، وتمسك خام برنت بمستوى أعلى من 85 دولاراً للبرميل منذ منتصف الشهر الماضي.

وجاء الارتفاع مدعوماً بقرار منظمة أوبك بلس -المؤلفة من أعضاء منظمة أوبك وحلفائها- بتمديد التخفيضات الطوعية في الإنتاج، ما أثار المخاوف بشأن مستوى المعروض وسط مشهد عالمي محاط بالحروب والتوترات الجيوسياسية.

وكانت المنظمة قد تعهدت بتمديد التخفيضات البالغة 2.2 مليون برميل يومياً حتى نهاية يونيو حزيران المقبل، ما يقلل الإمدادات النفطية المتجهة لنصف الكرة الشمالي خلال فصل الصيف.

في الوقت نفسه، كشف نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، يوم الجمعة، أن شركات النفط في بلاده سوف تركز خلال الربع الثاني من العام على خفض الإنتاج وليس خفض التصدير لضمان التوافق مع تخفيضات بقية أعضاء أوبك بلس.

التوترات الجيوسياسية

إلى جانب تخفيضات أوبك، تلقت أسعار النفط دعماً أيضاً من الاضطرابات الجيوسياسية المتصاعدة سواء في منطقة الشرق الأوسط أو على الصعيد الروسي الأوكراني.

فحتى الآن، لا توجد أي مؤشرات على تراجع إسرائيل عن حربها في غزة، أو تراجع الحوثيين عن موقفهم من مهاجمة السفن العابرة بالبحر الأحمر وما تبعته من اضطرابات في حركة الملاحة في تلك المنطقة الاستراتيجية التي تضم عدداً من أكبر منتجي النفط في العالم.

من جهة أخرى، دخل الصراع الروسي الأوكراني مرحلة جديدة من التصعيد بعد قرار كييف باستهداف المنشآت النفطية في روسيا بالطائرات المسيرة، ونجحت بالفعل حتى الآن في تعطيل العديد من مصافي النفط الروسية، ما أثار القلق حول تراجع صادرات روسيا من الوقود.

وتحت وطأة الهجمات الأوكرانية، تراجع الإنتاج النفطي الروسي بنحو مليون برميل يومياً، ما أثر على صادرات الوقود مرتفع الكبريت الذي تتم معالجته في المصافي الصينية والهندية، وفقاً لما أوردته رويترز.

في المقابل، جاء الطلب الأوروبي على الوقود أعلى من المتوقع هذا العام، إذ سجل ارتفاعاً بنحو 100 ألف برميل يومياً في فبراير شباط الماضي، في الوقت الذي كان يتوقع فيه محللو بنك غولدمان ساكس انكماش الطلب في القارة العجوز بـ200 ألف برميل يومياً في عام 2024.

ويرى المراقبون أن المخاطر الجيوسياسية، وقوة الطلب الأوروبي، وتباطؤ إمدادات النفط الأميركية، واحتمالات تمديد تخفيضات أوبك بلس لنهاية عام 2024، كلها عوامل تدعم الاتجاه الصعودي لأسعار النفط في المرحلة المقبلة.

يُضاف إلى ذلك ظهور بعض المؤشرات الإيجابية على تعافي اقتصاد الصين -أكبر مستورد للنفط في العالم- إذ أظهرت بيانات حديثة نمو قطاع التصنيع الصيني في مارس آذار للمرة الأولى منذ ستة أشهر، رغم استمرار أزمة العقارات الحادة التي تلقي بظلالها على ثاني أكبر اقتصادات العالم.