بدأت شركات النفط العالمية في تسريع أهداف الاستدامة الخاصة عبر خفض انبعاثاتها الكربونية والوصول إلى صافي الصفر خاصة بعد تعهدات مؤتمر المناخ كوب 28 الأخيرة.

وأجمع محللون على أن شركات النفط ستعمل على التكيف مع تحول الطاقة بشكل تدريجيي بسبب استمرار شركات النفط الوطنية في إعطاء الأولوية لعملياتها الأساسية متمثلة في التنقيب عن النفط وإنتاجه.

ووافقت الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ كوب 28 في دبي نهاية العام الماضي على خريطة طريق «للتحول بعيداً عن الوقود الأحفوري»، وهي المرة الأولى من نوعها في مؤتمر للأمم المتحدة للمناخ، لتأتي بعد أن وافقت الدول في قمة المناخ (كوب 27) على خفض انبعاثات غاز الميثان.

وتتجه بعض الكيانات ووزارات الطاقة إلى التكيف مع التعهدات التي انتهى إليها (كوب 28) عبر زيادة الإنفاق على التحول للطاقة الجديدة.

يقول راجات كابور، مدير شؤون النفط والغاز في شركة سينرجي للاستشارات، في مقابلة مع «CNN الاقتصادية»، إن ما يقرب من 50 شركة للنفط والغاز التزمت بخفض انبعاثاتها الكربونية والوصول إلى صافي الصفر بحلول عام 2050، في إطار التوافق مع أهداف قمة المناخ كوب 28، منها نحو 29 شركة نفط وطنية مثل أرامكو السعودية وأدنوك، بالإضافة إلى بي بي البريطانية وإكسون موبيل وشل، وتوتال.

وخلال مؤتمر الأطراف (كوب 28) المنعقد في نوفمبر تشرين الثاني الماضي، وقعت 50 من أكبر شركات الطاقة الحكومية والخاصة، تمثل أكثر من 40 بالمئة من إنتاج النفط العالمي، على ميثاق «إزالة الكربون من النفط والغاز»، ومن بين هذه الشركات، أدنوك الإماراتية، وأرامكو السعودية، والمؤسسة الوطنية للنفط الليبية، وإيني الإيطالية، وتوتال إينرجيز الفرنسية، وإكسون موبيل الأميركية، وبي بي.

وبحسب بيان من رئاسة (كوب 28)، سوف تلتزم الشركات بخفض انبعاثات غاز الميثان إلى الصفر وإنهاء الحرق الروتيني للغاز بحلول عام 2030، بجانب الوصول إلى صفر انبعاثات في عمليات الإنتاج بحلول عام 2050.

ويضيف كابور، تتطلب التزامات شركات النفط بالتحول إلى صافي صفر انبعاثات جهوداً متضافرة لاعتماد نشر تكنولوجيا الطاقة النظيفة والتخفيضات المتسارعة في إنتاج النفط والغاز، «ومع ذلك، فإن شركات النفط، وهي محقة في ذلك، تبدو مترددة في التركيز على صافي صفر انبعاثات لأنه يتعارض مع طبيعة عملها، لتعظيم الأرباح لمساهميها من استكشاف وإنتاج الوقود التقليدي».

1646738

وتقول مؤسسة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية، إن بعض الشركات الوطنية الخليجية قامت بتسريع أهداف الاستدامة الخاصة بها بعد مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيير المناخ (كوب 28)، «نتوقع أن يظل التحول الشامل في إستراتيجيات التكيف مع تحول الطاقة تدريجياً بسبب استمرار شركات النفط الوطنية في إعطاء الأولوية لعملياتها الأساسية متمثلة في التنقيب عن النفط وإنتاجه».

وتضيف ستاندرد آند بورز، أن شركات النفط الوطنية الخليجية ستركز مساراتها للحد من الانبعاثات على عمليات إزالة الكربون- من خلال تحسين إمداد الكهرباء، وزيادة التقاط الكربون، وتقليل انبعاثات غاز الميثان- وزيادة الاستثمارات في الطاقة المتجددة وسلاسل توريد الهيدروجين الأخضر، وتعزيز التنوع البيولوجي، وذلك تماشياً مع نظيرتها المدرجة عالمياً.

ويحتاج العالم إلى تحويل سبعة تريليونات دولار من التمويل لدعم الاقتصاد الأخضر والتحول للطاقة النظيفة، حسب ما يقول تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة أُعلن عنه العام الماضي خلال (كوب 28).

1646764

ويقول مدير شؤون النفط والغاز في شركة سينرجي للاستشارات، إن شركات النفط العالمية ستستمر في إعطاء الأولوية لعملياتها الأولية المتمثلة في استخراج الوقود الأحفوري، وتخصيص ما يقرب من 93 في المئة من إجمالي استثماراتها لمساعيها القائمة في مجال النفط والغاز، في حين يتم توجيه 3 في المئة فقط نحو مبادرات الطاقة المتجددة ومنخفضة الكربون، حيث خفض بعض المنتجين الرئيسيين بالفعل استثماراتهم في الطاقة النظيفة في عام 2022، مقارنة بمستويات عام 2021.

«نظراً للطلب المستمر والمتزايد على النفط والغاز في المستقبل المنظور، يبدو من غير المحتمل جداً أن يقوم المنتجون الرئيسيون بأي محاولات منسقة لتقليص الإنتاج أو التحول بشكل كبير عن أنشطتهم التجارية الأساسية ورغم أنها قد تخصص بعض الموارد لمبادرات منخفضة الكربون، فإن تركيزها الأساسي سوف يستمر على استخراج النفط والغاز»، كما يقول كابور.

وفقاً لتقرير فجوة التكيف لعام 2023 الصادر عن الأمم المتحدة، ستحتاج بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى إنفاق ما متوسطه نحو 27 مليار دولار سنوياً خلال الفترة 2021- 2030- أو نحو 0.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة- لتمويل تدابير التكيف مع تغير المناخ، حيث تركز هذه التدابير على التكيف مع الآثار الحالية والمستقبلية لتغير المناخ، مثل العواصف أو الجفاف، وتختلف عن تدابير التخفيف من آثار تغير المناخ، التي تهدف في المقام الأول إلى تقليل الانبعاثات.

1646763

وتقول مؤسسة التصنيف الائتماني، إنه بناء على توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي الحقيقي بنسبة تتراوح بين 2 في المئة – 4 في المئة في دول الخليج المصنفة خلال الفترة 2024 – 2026، «وبالنظر إلى تقديرات تقرير فجوة التكيف الصادر عن الأمم المتحدة حول احتياجات التمويل في المنطقة، فإننا نستنتج أن احتياجات تمويل التكيف السنوية لدول الخليج يمكن أن تصل إلى ما بين 25 و35 مليار دولار في المتوسط، والتي ستتضمن مخصصات شركات النفط الوطنية الخليجية والتي تقدر بما يتراوح ما بين 15 و25 مليار دولار سنوياً كاستثمارات منخفضة الكربون خلال الفترة 2023- 2030».

مزيج الإنتاج سيتغير على المدى الطويل

تقول ستاندرد آند بورز، إن العديد من شركات النفط الوطنية الخليجية، مثل أرامكو السعودية، وقطر للطاقة، وأدنوك، بدأت بالفعل الاستثمار في الحلول القائمة على الهيدروجين، بما في ذلك إنتاج الأمونيا الزرقاء والهيدروجين الأزرق، «مع ذلك، لا تزال هذه الحلول غير متاحة على نطاق واسع، ومن المرجح أن يكون للهيدروجين والأمونيا دور رئيسي في تحول الطاقة نظراً لقدرتهما على تقليل الانبعاثات في توليد الطاقة والنقل الثقيل والتدفئة والعمليات الصناعية».

وتتوقع ستاندرد آند بورز، أن تفكر شركات النفط الوطنية في الاستثمار في تجديد البنية التحتية الحالية للغاز الطبيعي لتكييفها مع الهيدروجين، «كما سيؤدي تجديد خطوط الأنابيب إلى تقليل مخاطر التقادم ويسمح بتقديم بديل وقود أنظف، على أي حال، سوف نأخذ في الاعتبار التأثير المناخي المحتمل لخطوط الأنابيب المجددة».