يتوقع خبراء أن يعود المستثمرون الدوليون برأس مالهم إلى سوق العقارات الأوروبية التي شهدت تباطؤاً في الأعوام القليلة الماضية وأن تقود المملكة المتحدة الانتعاش في هذه السوق.

وقالت ليديا بريسي، مديرة الأبحاث الأوروبية في سافيلز في مقابلة مع «CNN الاقتصادية» «نتوقع انتعاشاً تدريجياً للنشاط الاستثماري بدءاً من النصف الثاني من عام 2024 وذلك بسبب استقرار أسعار الفائدة، سيبدأ عدد الصفقات في الارتفاع أولاً، يليه حجم الاستثمار».

وأضافت أن «أسواق المستودعات والعقارات السكنية ستظل الأصول المفضلة في أوروبا هذا العام، على الرغم من وجود شهية متزايدة لعقارات قطاع التجزئة، ونظراً لتعديلات الأسعار، فإننا سنشهد كذلك المزيد من المستثمرين في سوق العقارات التجارية».

وتابعت «ومن حيث الأسواق، من المتوقع أن تشهد أوروبا الوسطى والشرقية ودول الشمال أكبر معدلات نمو سنوية في أحجام الاستثمار، مع توقع زيادات بنسبة ما بين 28 و40 في المئة و17و35 في المئة في نهاية العام، على التوالي، ومن المتوقع أن تنتعش جنوب أوروبا بنسبة ما بين 12-21 في المئة بينما ستشهد بقية أوروبا الغربية زيادة بنسبة ما بين 15و17 في المئة على أساس سنوي».

ويشير بحث جديد أجرته شركة سافيلز إلى أن الانخفاض المتوقع في أسعار الفائدة والانتعاش الاقتصادي المتواضع سيحفز التدفقات من المستثمرين الأجانب الذين يتطلعون إلى الاستفادة من «مستويات التسعير الجذابة».

ومن المتوقع أن يقود المستثمرون الأميركيون والإسرائيليون واليابانيون والتايوانيون هذا الانتعاش وبنسبة 20 في المئة من النشاط الاستثماري العقاري خاصة في بريطانيا وألمانيا وإسبانيا وهولندا، وفقاً للبحث.

سوق بريطانيا العقارية الأقوى في أوروبا

صُنفت بريطانيا كأفضل وجهة أوروبية للاستثمار العقاري في استطلاع أجرته سي بي أر إي، حيث قال المستثمرون إنهم ينجذبون إلى هذه السوق بفضل أسعارها المخفضة والعائد المرتفع من الاستثمار بها.

ومنح الاستطلاع لندن لقب المدينة الأكثر جاذبية تليها باريس، ومدريد، وبرلين.

ومن المتوقع الآن أن تجتذب المملكة المتحدة ثلث –أو نحو 13 مليار دولار– الاستثمارات الخارجية لعام 2024 من الولايات المتحدة وحدها، وفقاً لتقديرات شركة نايت فرانك، ومن المقرر أن تكون ألمانيا وإسبانيا وهولندا أكبر المستفيدين التاليين من الأموال الأميركية.

ووفقاً لستيوارت ليزلي، مدير المبيعات والتسويق الدولي لدى شركة بارات لندن للتطوير العقاري «تُعد لندن مركزاً قوياً للثقافة والتمويل والتعليم وتجارة التجزئة، وهناك العديد من الأسباب التي تدفع الناس إلى القدوم إلى المملكة المتحدة والسكن فيها».

وأضاف «من الناحية المالية، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان هناك توقع بأن المراكز المالية سوف تتحرك، وبذلت فرانكفورت الكثير من الجهد لجذب المؤسسات المالية، الأمر الذي صعب عليهم لأن الكثير من الشركات العالمية والمستثمرين الدوليين جميعهم يتحدثون الإنجليزية، فكانت اللغة ذات فائدة كبيرة للندن وأبقتها في طليعة القطاع المالي».

ويعتقد ليزلي أن التعليم دائماً عامل رئيسي للمستثمرين والمشترين في المملكة المتحدة وخاصة في سوق الإسكان، وقال إن «الكثير من الشرق أوسطيين يرسلون أبناءهم للدراسة في المملكة المتحدة وهذا بالتالي يرفع نسب الإيجارات وفي بعض الأحيان مبيعات المساكن».

وأشار إلى أن هناك العديد من الاستثمارات التي تأتي من الكويت والإمارات وأن من المتوقع أن يأتي المزيد من العملاء هذا العام من السعودية وقطر.

وشهدت لندن نمواً قوياً في الإيجارات ما حفز العديد من المستثمرين للشراء في هذه السوق التي تحقق عوائد إيجارية تتراوح بين 6 في المئة و6.5 في المئة.

بالنسبة لليزلي، هناك الكثير من العوامل المساهمة في إنعاش سوق العقارات في لندن، ولكن عامل الجذب الأساسي هو وجود أمان للاستثمار الطويل الأجل.

أضاف أن «من المتوقع أن تصل معدلات التضخم إلى 2.6 في المئة بنهاية العام وقد سبق أن انخفضت النسبة من 11.1 في المئة لتصل إلى نحو 4.6 في المئة في الوقت الحالي ما يقوي الشهية على الاستثمار وبالتالي يرفع أسعار العقارات».

نشرت جمعية البناء الوطنية بعض الأرقام التي تشير إلى أن الأسعار ارتفعت بنسبة 1.2 في المئة على أساس سنوي.

ورفعت وكالة ستاندرد آند بورز تصنيفاتها أيضاً لاقتصاد المملكة المتحدة، فعلق ليزلي بالقول إن «هناك الكثير من الرسائل الإيجابية ونعتقد أن هذه هي بداية المسار التصاعدي، وكشركة، نحن نبحث عن فرص الاستحواذ على الأراضي والتحالفات الاستراتيجية لنستفيد من هذه السوق المتنامية على مدى السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة».

عام صعب على القارة العجوز

كان عام 2023 عاماً صعباً لسوق العقارات في أوروبا، إذ أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة تكاليف الاقتراض وأثر ذلك على شهية المستثمرين.

وبلغ إجمالي الاستثمار العقاري العالمي 196.3 مليار يورو (212.9 مليار دولار) خلال العام، بانخفاض 40 في المئة عن متوسط السنوات الخمس السابقة، وفقاً لبيانات ريل كابيتل أناليسز. كان الانخفاض أكثر وضوحاً في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، إذ انخفضت التدفقات الوافدة بنسبة 59 في المئة، مقارنة بالانخفاض الذي شهدته الأميركتان بنسبة 56 في المئة والانخفاض بنسبة 12 في المئة في آسيا والمحيط الهادئ.

وتم استثمار نحو 65.2 مليار يورو (70.6 مليار دولار) في قارة أوروبا خلال عام 2023، وجاءت معظم هذه الاستثمارات من المشترين عبر الحدود داخل أوروبا، في فرنسا وإسبانيا بشكل أساسي وأتت 40 في المئة من هذه الاستثمارات من خارج القارة – وهي النسبة الأدنى منذ عام 2010.

ومع ذلك، من المتوقع أن يتغير هذا الوضع مع عودة المؤسسات الدولية والمستثمرين الأفراد إلى السوق، بعد أن أبدى بنك إنجلترا مؤشرات على أنه قد يخفض أسعار الفائدة.

يتوقع تقرير سافيلز «أن تستعيد أوروبا مكانتها الرائدة كوجهة رئيسية للاستثمارات العابرة للحدود في الأشهر الـ12 إلى الـ18 المقبلة».

إقبال على العقارات السكنية ومستودعات التخزين

من المتوقع أن تكون سوقا العقارات السكنية ومستودعات التخزين الأكثر استفادة من زيادة التدفقات النقدية الخارجية في عام 2024.

يعتقد ليزلي أن ما «نشهده من الطلب هو في مجال الإسكان المتوسط أو ذي القيمة الجيدة مقابل رأس المال، هناك الكثير من المنتجات الفاخرة في السوق، لكنها ليست المنتج الأكثر شعبية للاستثمار، فأعتقد أن الناس يبحثون عن المساحات والمزيد من وسائل الراحة، وإمكانية الوصول إلى الحدائق والمساحات العامة، بدلاً من التواجد في قلب لندن ووسطها وسبب ذلك هو أن خطوط النقل جيدة جداً بحيث يمكنك الوصول إلى وسط لندن بسرعة».

في عام 2023، تجاوزت سوق العقارات اللوجستية والسكنية لأول مرة سوق المكاتب باعتبارها الفئة الأكثر جذباً للمستثمرين الأجانب، وفقاً لاستطلاع سي بي آر إي. وأظهر الاستطلاع أن أكثر من ثلث المستثمرين (34 في المئة) يفضلون الاستثمار بالسوق اللوجستية و28 في المئة يفضلون السوق السكنية، مقارنة بـ17 في المئة فقط يفضلون الاستثمار في سوق المكاتب.

ففي ذاك العام شهدت المعاملات التجارية انخفاضاً ملحوظاً بنسبة 71 في المئة مقارنة بمتوسط الخمس سنوات الماضية، وتخوف الخبراء من تراجع أوسع نطاقاً في العقارات التجارية، ومع ذلك، أشار تقرير سافيلز إلى أن الخيارات لا تزال متاحة أمام المستثمرين الذين يتطلعون للاستفادة من العروض المغرية في سوق المكاتب والتجزئة.