يتوجه الشعب الإيراني إلى صناديق الاقتراع يوم الجمعة المقبل لانتخاب رئيس جديد من بين ستة مرشحين، في ظل مواجهة طهران تصاعداً للتوتر في المنطقة بسبب الصراع بين إسرائيل وحركة حماس، وزيادة الضغوط الغربية عليها بسبب برنامجها النووي سريع التطور.

لكن لم تُتِح الانتخابات المبكرة للمرشحين سوى القليل من الوقت لوضع خطط اقتصادية مفصلة.

إذ يتنافس المرشحون الستة في انتخابات كان من المقرر انعقادها في ربيع العام المقبل، لكن قُدِمت إلى 28 يونيو حزيران الجاري نظراً لمصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وسبعة مرافقين له، أبرزهم وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان في تحطم مروحية في مايو أيار الماضي.

مَن هم مرشحو الرئاسة الإيرانية؟

وافق مجلس صيانة الدستور، وهو هيئة تدقيق متشددة من رجال الدين ورجال القانون الموالين لخامنئي، على خمسة مرشحين من غلاة المحافظين هم محمد باقر قاليباف ومصطفى بور محمدي وعلي رضا زاكاني وأمير حسين قاضي زاده هاشمي وسعيد جليلي، ومرشح معتدل واحد مغمور وهو مسعود بزشكيان من بين مجموعة كانت تضم 80 مرشحاً، وفقاً لرويترز.

ومن بين غلاة المحافظين البارزين محمد باقر قاليباف، وهو رئيس البرلمان وقائد سابق في الحرس الثوري كان ترشح قبل ذلك مرتين للرئاسة دون جدوى، واضطر إلى الانسحاب من محاولة ثالثة عام 2017.

بالإضافة إلى سعيد جليلي، الذي عيّنه خامنئي في منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي لمدة خمسة أعوام بداية من 2007، وهو المنصب الذي جعله تلقائياً كبير المفاوضين في الملف النووي، كما عمل جليلي لمدة أربع سنوات في مكتب خامنئي وخاض انتخابات الرئاسة عام 2013 لكنه لم يفز.

ويحظى المرشح المعتدل الوحيد، مسعود بزشكيان، بتأييد المعسكر الإصلاحي المهمش سياسياً في إيران.

ولم يدعم خامنئي أي مرشح علناً، لكن وسائل الإعلام الرسمية ذكرت أن مستشاره يحيى رحيم صفوي حث الناخبين على انتخاب «رئيس لا تتعارض آراؤه مع آراء الزعيم الأعلى».

وفي حين يتمتّع دور الرئيس بأهمية كبيرة على الصعيد الدولي، فإن السلطة الحقيقية تكون في أيدي الزعيم الأعلى، صاحب القول الفصل في شؤون الدولة مثل السياسات الخارجية أو النووية ويسيطر على جميع فروع الحكومة والجيش والإعلام والجزء الأكبر من الموارد المالية.

ويقول معظم المرشحين إنهم يعتزمون محاكاة سياسة إبراهيم رئيسي التي كانت قائمة على الاعتماد على الذات اقتصادياً وتعزيز العلاقات التجارية مع آسيا، ويدافع آخرون عن علاقات أوسع مع العالم دون تقديم تصور لخطوات عملية لمعالجة العقوبات.

عزلة دولية

كشف الرئيس السابق لغرفة التجارة الإيرانية، حسين صلاحفارزي، أن العقوبات الغربية كلفت إيران ما يقرب من 1.2 تريليون دولار من عام 2011 إلى عام 2023، وهذا يترجم إلى خسارة سنوية للفرد قدرها 1202 دولار، وسلّط صلاحفارزي الضوء على الفرص الاقتصادية الضائعة بسبب العقوبات، والتي أثرت بشدة على عائدات النفط والصادرات غير النفطية والتضخم والبطالة، وفقاً لتصريحاته لصحيفة «شرق» الإيرانية.

ولم يحدد صلاحفارزي المصادر الرسمية لهذه الأرقام، وأوضح أن التقديرات استندت إلى مقارنات بـ«عدة دول مشابهة لإيران»، ومن المرجّح أنه قارن الناتج المحلي الإجمالي الإيراني ونصيب الفرد من الدخل الحقيقي مع المتوسطات في هذه البلدان، وعزا الاختلافات إلى تأثير العقوبات، إذ أضرت إعادة فرض العقوبات الأميركية عام 2018 بصادرات النفط الإيرانية، ما أدّى إلى تراجع إيرادات الحكومة واضطرارها لاتخاذ خطوات لا تحظى بشعبية مثل زيادة الضرائب وإدارة عجز كبير في الميزانية في سياسات أبقت التضخم السنوي عند نحو 41.5 في المئة في 2023، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.

وعلى الرغم من أن البلاد تجنبت الانهيار الاقتصادي التام، وذلك في المقام الأول بدعم من صادرات النفط إلى الصين وارتفاع أسعار الخام، لا تزال صادرات النفط أقل من مستويات ما قبل عام 2018.

ويرى محللون أن التوقعات الاقتصادية الإيرانية تبدو أكثر غموضاً من أي وقتٍ مضى، مع احتمال تطبيق أكثر صرامة للعقوبات التي تستهدف النفط إذا ما فاز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة مجدداً، حسب ما قال وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف خلال تأييده لحملة المرشح بزشكيان.

الأوضاع الاقتصادية في إيران

وعد مرشحون بتنفيذ خطة التنمية السابعة للبلاد التي وافق عليها البرلمان العام الماضي، وتهدف الخطة إلى كبح التضخم وتعزيز الصادرات وتحدد أهدافاً طموحة لتحقيق نمو سنوي بنسبة ثمانية في المئة في ظل العقوبات.

اقتصاد إيران بين العقوبات الغربية والأزمات الاقتصادية

لكن توقعات البنك الدولي للسنوات الثلاث المقبلة تشير إلى معدلات نمو سنوية أقل من 3.2 في المئة لإيران نتيجة لانخفاض الطلب العالمي والعقوبات ونقص الطاقة المحلي.

وخلال ثلاثة أعوام قضاها رئيسي في السلطة، التقط الاقتصاد الإيراني أنفاسه من ركود في عامي 2018 و2019 ناجم عن إعادة فرض العقوبات عام 2018، وبلغ النمو ذروته عند 5.7 في المئة في العام المنتهي في مارس آذار، وفقاً لمركز الإحصاء الإيراني.

ومع ذلك فإن معظم هذا التوسع كان مدفوعاً بقطاع الطاقة، إذ سجّلت إيران قفزة 70 في المئة في إنتاج النفط الذي يبلغ الآن نحو 3.5 مليون برميل يومياً، مع تجاوز صادرات النفط 1.4 مليون برميل يومياً والموجهة في المقام الأول إلى الصين.

ووفقاً للبنك الدولي، بلغ معدل البطالة في إيران نحو 7.6 في المئة، مقارنة بنحو 9.6 في المئة عندما تم انتخاب رئيسي، ومع ذلك فإن رواتب العديد من الوظائف الرسمية ضعيفة، ما يعني أن العدد الحقيقي للأشخاص الذين ليس لديهم عمل مناسب يوفّر سُبل العيش ربما يكون أعلى بكثير.

وواصلت القوة الشرائية للإيرانيين الانكماش خلال رئاسة رئيسي، إذ انخفضت قيمة الريال الإيراني في التداول الحر أكثر من النصف، وفقاً لموقع تتبع العملة الإيرانية «بونباست» ونقلاً عن رويترز، وسجل الآن 600 ألف ريال إيراني مقابل الدولار الأميركي.

وارتفعت أسعار السلع الأساسية مثل الألبان والأرز واللحوم في الأشهر القليلة الماضية، وارتفع السعر المدعم لخبز اللواش، وهو الخبز الأكثر شعبية بين الأسر الإيرانية، بنسبة لا تقل عن 230 في المئة في السنوات الثلاث الماضية، في حين أصبحت اللحوم الحمراء غالية جداً بالنسبة للكثيرين إذ ارتفع سعرها 440 في المئة إلى 10 دولارات للكيلوغرام الواحد.

ويبلغ الراتب الشهري للمعلم نحو 180 دولاراً، ويكسب العديد من عمال البناء ما يزيد قليلاً على 10 دولارات في اليوم.