«نمو قوي لكنه بطيء»، هكذا يصف صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي خلال العامين الجاري والمقبل، في إشارة إلى استمرار التأثير السلبي لتوترات الشرق الأوسط وأسعار الفائدة المرتفعة على آفاق النمو.

فخلال تقرير مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي لشهر يناير، رفع الصندوق توقعاته للنمو العالمي خلال العام الجاري إلى 3.1 في المئة، ما يمثّل ارتفاعاً طفيفاً بـ0.2 في المئة مقارنة بتوقعاته السابقة في أكتوبر تشرين الأول الماضي، كما توقع زيادة النمو إلى 3.2 في المئة عام 2025.

وتوقع التقرير نمواً بـ1.5 في المئة للاقتصادات المتقدمة هذا العام بارتفاع طفيف عن توقعات أكتوبر تشرين الأول الماضي، على أن يصعد إلى 1.8 في المئة في 2025.

وعزا الصندوق توقعاته الأخيرة إلى تحسن تقديرات النمو في الصين وأميركا والاقتصادات الصاعدة والنامية الكبرى، لكنه لفت إلى أن ارتفاع النمو في الولايات المتحدة عام 2024 سيوازنه جزئياً تراجع النمو في منطقة اليورو.

ويقول الصندوق: «لا تزال توقعات النمو في العامين 2024 و2025 أقل من المتوسط السنوي التاريخي البالغ 3.8 في المئة في الفترة من 2000 إلى 2019، انعكاساً لتشديد السياسة النقدية وانخفاض نمو الإنتاجية».

صندوق النقد الدولي

نمو اقتصاد الولايات المتحدة وأوروبا والصين

بالكاد، نجح اقتصاد منطقة اليورو في تفادي الركود خلال العام الماضي، وتوقع الصندوق أن تسجل المنطقة معدل نمو بـ0.5 في المئة في عام 2023، مع تسارع المعدل إلى 0.9 في المئة في العام الجاري و1.7 في المئة في 2025، مدعوماً بقوة الاستهلاك الأسري، وانحسار آثار صدمة ارتفاع أسعار الطاقة، وهبوط التضخم.

وعلى الرغم من التوقعات الإيجابية لمنطقة اليورو لعام 2024، فإنها تأتي أقل بنحو 0.3 في المئة من تقديرات الصندوق السابقة في أكتوبر تشرين الأول.

على الجانب الأكثر تفاؤلاً، رفع الصندوق توقعاته لنمو اقتصاد الولايات المتحدة خلال العام الجاري بنسبة 0.6 في المئة إلى 2.1 في المئة، مبرراً ذلك بتأخر ظهور آثار تشديد السياسة النقدية وتحسن أوضاع سوق العمل.

ودفع النمو القوي لاقتصاد الصين في 2023 صندوق النقد إلى رفع توقعاته لمعدل نمو الاقتصاد الصيني في 2024 إلى 4.6 في المئة بارتفاع قدره 0.4 في المئة.

اقتصاد السعودية يخفّض توقعات منطقة الشرق الأوسط

وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، خفّض الصندوق توقعاته لعام 2024 بنسبة 0.5 في المئة إلى 2.9 في المئة، مع رفع تقديراته للعام المقبل إلى 4.2 في المئة.

وعزا خفض توقعات المنطقة للعام الجاري بشكل أساسي إلى تراجع تقديرات الاقتصاد السعودي.

وخفّض الصندوق توقعاته لنمو اقتصاد السعودية بواقع 1.3 في المئة إلى 2.7 في المئة في 2024، مبرراً ذلك باستمرار قرار منظمة أوبك بلس بالخفض المؤقت لإنتاج النفط عام 2024، إضافة إلى التخفيضات الطوعية التي أعلنتها المملكة بشكلٍ فردي.

وكانت المملكة قد أعلنت في نوفمبر تشرين الثاني الماضي تمديد خفضها الطوعي البالغ مليون برميل يومياً حتى نهاية الربع الأول من عام 2024، بالإضافة لاستمرار الخفض الطوعي البالغ 500 ألف برميل يومياً الذي أعلنته المملكة في أبريل نيسان 2023، والممتد حتى نهاية ديسمبر كانون الأول 2024.

ورفع الصندوق تقديراته للنمو السعودي العام المقبل بنسبة 1.3 في المئة إلى 5.5 في المئة، متوقعاً أن يظل نمو القطاع غير النفطي قوياً.

وعلى الصعيد المصري، خفّض الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد في مصر بواقع 0.6 في المئة إلى 3 في المئة في 2024، على أن يصل المعدل إلى 4.7 في المئة في العام المقبل بانخفاض قدره 0.3 في المئة عن التوقعات السابقة للصندوق.

صندوق النقد الدولي

تراجع التضخم والتجارة العالمية وأسعار النفط

يتوقع الصندوق أن ينخفض التضخم الكلي العالمي من 6.8 في المئة في 2023 إلى 5.8 في المئة في 2024 و4.4 في المئة في 2025، ولم يطرأ تعديل على توقعات الصندوق للتضخم منذ أكتوبر تشرين الماضي بالنسبة للعام الجاري، إلّا أنه خفض توقعاته بنسبة 0.2 في المئة للعام المقبل.

كما توقع نمو التجارة العالمية بـ3.3 في المئة في العام الجاري و3.6 في المئة في العام المقبل، أي دون المستوى المتوسط لمعدل نموها التاريخي البالغ 4.9 في المئة.

ويعزو الصندوق هذا التراجع إلى استمرار التأثير السلبي للتوترات التجارية والتشرذم الجغرافي في النظام التجاري العالمي.

وحول تحركات أسعار السلع، توقع الصندوق أن ينخفض المتوسط السنوي لأسعار النفط بنحو 2.3 في المئة في 2024، وأسعار السلع الأولية -غير الوقود- بنسبة 0.9 في المئة.

ومن المتوقع بلوغ متوسط سعر برميل النفط نحو 79.10 دولار في 2024 و75.31 دولار في 2025.

وبحسب توقعات الصندوق، ستظل أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية نفسها حتى النصف الثاني من 2024، وذلك بالنسبة للبنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا.

المخاطر المحيطة بالنمو العالمي

أشار تقرير الصندوق لعدد من المخاطر السلبية التي قد تقوض الاقتصاد العالمي، وفي مقدمتها الارتفاع الحاد في أسعار السلع الأولية نتيجة التوترات الجيوسياسية المتصاعدة.

وهناك مخاوف من اتساع نطاق الصراع بين غزة وإسرائيل ليطول أجزاء أوسع من المنطقة التي تنتج 35 في المئة من إمدادات النفط و14 في المئة من إمدادات الغاز في العالم.

وحذر الصندوق من أن استمرار الهجمات في البحر الأحمر والصراع المستمر في أوكرانيا يهددان بإصابة النمو العالمي بصدمات معاكسة جديدة في سلاسل التوريد، وما يترتب عليه من ارتفاعات حادة في أسعار الغذاء والوقود والنقل.

وارتفعت بالفعل تكاليف شحن الحاويات بصورة حادة مع تأزم الوضع في الشرق الأوسط.

ولفت الصندوق إلى أن ارتفاع التضخم الأساسي قد يتطلب تشديد السياسات النقدية، ما قد يسفر بدوره عن مزيد من المخاطر في الاستقرار المالي العالمي.